الاتفاق النووي الذي يقع في مئة وتسعة وخمسين صفحة، ويحتوي ملاحق إضافية مفصلة، في طريقه الى التدقيق والتمحيص. هذا ما دعا اليه مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية، وهذا ما توعّد به أيضا أعضاء الكونغرس الاميركي. تدقيق سيتيح للجميع، منتقدين ومؤيدين، بحسب التوقعات، الحصول على حجج لنقاشاتهم، نظرا لاحتواء الاتفاق على الكثير من التفاصيل التي تعطي الطرفين مكاسب من جهة، وتسجل عليهما تنازلات من جهة أخرى.
أميركيا، رحب الرئيس الاميركي بمناقشة الاتفاق، لكنه أبقى على تلويحه باستخدام “الفيتو” أمام أي تشريع قد يقف بوجه تنفيذه. أمام الكونغرس ستون يوما ( تبدأ تاريخ الحصول عليه من الادارة) للتصويت على الاتفاق. لكن حتى لو تم رفضه، فان أغلبية الثلثين مطلوبة للوقوف بوجه الفيتو الموعود. فهل يتمكن النواب المعارضون الذين وصفوا الاتفاق بالخطأ “المحزن والفظيع والخطر والوهم”، من تحقيق تلك الاغلبية؟ المراقبون يستبعدون ذلك، نظرا الى استمرار غياب بدائل مقنعة لحل الازمة.
على كل حال، أوباما نفسه قال في مواجهة منتقديه إن كلاما قاسيا يصدر من واشنطن لا يمكنه أن يحل المشاكل. قد يكون الرئيس الاميركي على حق في ذلك، الا أن أي كلام يصدر عن ممثلين للشعب منتخبين في نظام ديمقراطي، لا بد وان يخلق موجة من نقاشات لن تكون سهلة على ما يبدو، في ظل تلويح البعض “بقتل الاتفاق” ( السناتور توم كوتون). أضف الى ذلك، أن الجدول الزمني لتطبيق الاتفاق يمتد الى سنوات ستكون فيها أعين المعارضين مركزة على أية زلة.
إيرانيا، كان الترحيب بالاتفاق وتصويره على أنه انتصار للجمهورية الاسلامية طاغيا على المشهد. فقد شهدت شوارع إيران احتفالات، وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالمدائح للرئيس ووزير خارجيته. إلا أنها لم تخل أيضا من بعض المعارضين، في خطوة رأت الفاينانشال تايمز انها تأتي للتذكير بانهم لن يساوموا على ايديولوجيتهم.
إن أي رفع للعقوبات بموجب الاتفاق، سيضخ الاوكسجين في الجسد الاقتصادي الايراني المنهك. وهذا ماكان على رأس جدول أعمال حسن روحاني عند انتخابه رئيسا للجمهورية. وقد وعد حينها باصلاحات بدأ بالفعل العمل عليها، عنوانها الأساسي محاربة الفساد وسوء الادارة. إلا أنه وبحسب الاتفاق أيضا، فإن رفع العقوبات لن يتم إلا بعد استيفاء إيران للعديد من الشروط، ما يعني أن الشعب الإيراني لن يشعر بما يحققه له الاتفاق من مكاسب اقتصادية، الا بعد حين.
أمام معارضي الاتفاق في إيران إذا وقت لوضع العصي في دواليبه، فهل “تفرملهم” دعوة خامنئي الشعب الايراني الى “الحفاظ على وحدته بما يتيح تحقيق المصالح الوطنية في أجواء هادئة وحكيمة”؟ وهل تتمتع كافة الأطراف ب”المرونة الشجاعة” للقبول بأهون الشرّين؟
مما لا شك فيه أن نجاح الاتفاق النووي، اذا ما وصل الى خواتيمه، سيقوّي موقع الرئيس الايراني حسن روحاني والتيار الذي يمثله، على حساب صقور إيران. من المعروف أنه عقب الثورة الاسلامية، غادرت الشركات الاجنبية إيران وحلت محلها مؤسسات تابعة للحرس الثوري الايراني، أمسكت بالكثير من مفاصل الاقتصاد في البلاد، وحققت أرباحا طائلة، وحصلت على امتيازات جمة. السؤال هنا، هل تتخلى تلك الجهات عن امتيازاتها ببساطة مفسحة المجال أمام تطبيق الاتفاق؟ هذا أمر يستبعده المراقبون.
سفينة الاتفاق تواجَه منذ الآن برياح عاتية وأمواج متلاطمة في الولايات المتحدة، وتبدو مياهها هادئة في الجمهورية الاسلامية الايرانية. ولكن هل يصّح المثل اللبناني القائل “أُمرق على البحر الهايج وما تمر عالبحر السكران”؟ الأشهر المقبلة كفيلة بايضاح الصورة. صورة يتوسع إطارها بالطبع الى خارج حدود البلدين، حيث تكثر ساحات المواجهة.